ليلى بنت أبي حثمة..أول امرأة هاجرت إلى المدينة
أسلمت فشمخت بإسلامها، وارتفع بها الاسلام فإذا هي أنموذج فريد متحرك لما تنبغي أن تكون عليه المرأة المسلمة، إنها الصحابية الجليلة ليلى بنت أبي حثمة بن حذيفة بن غانم بن عامر بن عبدالله بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب. وأمها هي ام ولد من تنوخ من سبايا العرب.
والثابت أن الصحابية الجليلة ليلى بنت أبي حثمة أسلمت مبكرا، وبايعت الرسول صلى الله عليه وسلم، وهاجرت إلى ارض الحبشة، وصلت إلى القبلتين وتزوجت من عامر بن ربيعة العنزي حليف الخطاب ابن نفيل، وأنجبت له عدة اولاد.
وتشير كتب التاريخ الى ان زوجها عامر كان مهيأ نفسيا قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم لرؤيته والايمان بدينه، ويأتي ذلك لأن زيد بن عمرو بن نفيل، كان قد قال لعامر زوجها، أنا أنتظر نبيا من ولد اسماعيل، ثم من بني عبدالمطلب، ولا أراني أدركه، وأنا أؤمن به وأصدقه وأشهد أنه نبي، فإن طالت بك مدة يا عامر ورأيته فأقرئه مني السلام.
صبر على العذاب
ونتيجة لذلك كانت ليلى بنت ابي حثمة مهيأة للايمان بالدين الجديد وتصديق النبي صلى الله عليه وسلم، لأن زوجها كان دائما يردد أمامها قول زيد بن عمرو بن نفيل، فعندما انتشر في مكة أن المصطفى صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الله الواحد الأحد أقبل عامر وليلى وأسلما، وكانا في طليعة المهاجرين إلى الحبشة لما اشتد أذى قريش.
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد قال لمن اسلموا في بداية الدعوة “اخرجوا الى ارض الحبشة فإن بها ملكا لا يظلم عنده احد، وهي ارض صدق”.
وعلى الرغم من شدة أذى المشركين على ليلى وزوجها، إلا أنها تحملت وصبرت وأخذت تقوي زوجها وتعينه على تحمل تعذيب أهل الشرك، وكانا كلما اشتد بهما العذاب ازداد إيمانهما وقوة عزيمتهما وأيقنا أن نصر الله قادم وأن الله سوف ينصر دينه ويؤيد رسوله صلى الله عليه وسلم.
وتقول ليلى بنت أبي حثمة، كان عمر بن الخطاب من أشد الناس علينا في اسلامنا، فلما تهيأنا للخروج إلى أرض الحبشة جاءني عمر وأنا على بعيري نريد أن نتوجه، فقال: أين يا أم عبدالله؟ وهي أم عبدالله بن عامر وبه كانت تكني، فقلت: آذيتمونا في ديننا، فنذهب في ارض الله حيث لا نؤذى في عبادة الله.. فقال: صحبكم الله، ثم ذهب فجاءني زوجي عامر بن ربيعة، فأخبرته بما رأيت من رقة عمر، فقال: ترجين أن يسلم؟ فقلت نعم.
وهاجرت ليلى بنت ابي حثمة وزوجها الى ارض الحبشة، وعندما علم المهاجرون بإسلام عمر عادوا أملا في أن يكون فيه المنعة والحماية، فلما اشتد أذى المشركين هاجرت ليلى بنت حثمة وزوجها عامر مرة أخرى الى الحبشة.
الهجرة إلى المدينة
وذكر أصحاب السير والتراجم أنه عندما أذن النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين بالهجرة إلى يثرب وقال: “من أراد أن يخرج فليخرج إليها” كانت ليلى بنت ابي حثمة، أول امرأة هاجرت إلى المدينة. والثابت ان هجرة ليلى بنت ابي حثمة الى المدينة لم تكن مجرد انتقال من مكان الى آخر وإنما كان لها دور كبير وإيجابي مع باقي الصحابيات والصحابة في توطيد دعائم الدين الاسلامي في قلوب أهل المدينة، ومما يدل على ذلك أن أهل يثرب خرجوا عن بكرة ابيهم للقاء النبي صلى الله عليه وسلم.
ولما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم الى يثرب كان يأتي عامر بن ربيعة في داره.. وذات يوم كان في بيت عامر فقالت ليلى بنت ابي حثمة لابنها عبدالله: هاك تعال أعطيك شيئا.. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ماذا أردت أن تعطيه ؟ فقالت ليلى بنت أبي حثمة: اعطيه تمرا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أما انك لو لم تعطيه شيئا كتبت عليك كذبة”.
وتعد ليلى بنت ابي حثمة احدى الصحابيات الجليلات اللواتي يعتبرن قدوة لباقي النساء المؤمنات في العصور التي تبعت عصرهن.
ونستخلص من قصة ليلى بنت ابي حثمة الكثير من العبر والعظات التي يجب أن تقتدي بها المرأة المسلمة في عصرنا، فليلى بنت ابي حثمة امرأة مؤمنة تقية، وزوجة وفية صدقت زوجها وآمنت بما آمن به، وهي ام صالحة ربت ابناءها على حب الله ورسوله.
وكانت ليلى بنت أبي حثمة فصيحة اللسان وبليغة وتبين ذلك من خلال موقفها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أخبرته أنها سوف تعطي ابنها تمرا، وهذا الموقف يوضح الاسس الصحيحة في تربية الاطفال.
ومع أن المؤرخين لم يذكروا الكثير من المواقف النبيلة للصحابية الجليلة، إلا أنها كانت من السابقات الى الاسلام ونالت شرف الوقوف إلى جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ايام الدعوة الاولى.
وعاشت ليلى بنت ابي حثمة حميدة حتى لقيت ربها ولم تذكر كتب التاريخ يوم وفاتها، فرضي الله عنها وأدخلها فسيح جناته.